فصل: النوع الثاني من المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة الكتب الواردة عن ملوك الكفار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.النوع الثاني من المكاتبات الواردة إلى هذه المملكة الكتب الواردة عن ملوك الكفار:

وهي أربعة أضراب:
الضرب الأول: الكتب الواردة عن ملوك الكرج.
الضرب الثاني: الكتب الواردة عن ملوك الحبشة:
والعادة فيها أن ترد في قطع باللسان ولم أظفر بصورة مكاتبة في هذا المعنى إلا مكاتبة واحدة وردت على الملك الظاهر بيبرس ضمن كتاب إلى صاحب اليمن، وصاحب اليمن أرسله إلى هنا فيما وقفت عليه في بعض المصنفات وهو:
أقل المماليك يقبل الأرض، وينهي بين يدي السلطان الملك الظاهر، خلد الله ملكه، أن رسولاً وصل إلي من والي قوص، بسبب الراهب الذي جاءنا فنحن ما جاءنا مطران مولانا السلطان ونحن عبيده، فيرسم مولانا السلطان للبطريرك أن يجهز لنا مطراناً يكون رجلاً جيداً عالماً، ولا يجني ذهباً ولا فضة، ويرسله إلى مدينة عوان. وأقل الممالك يسير إلى نواب مولانا الملك المظفر، صاحب اليمن ما يلزمه، وهو يسيره إلى نواب مولانا السلطان، وما كان سبب تأخير الرسل عن الحضور إلى ما بين يدي مولانا السلطان، إلا أنني في سكار؟ والملك داود قد توفي، وقد ملك موضعه ولده، وعندي في عسكري مائة ألف فارس مسلمين، وأما النصارى فكثير لا يحصون، والكل غلمانك وتحت أمرك، والمطران الكبير يدعو لك والخلق كلهم يقولون آمين، وكل من يصل من المسلمين إلى بلادنا نكون له أقل المماليك، ونحفظهم ونسفرهم كما يحبون ويختارون، وأما الرسول الذي سفروه فهو مريض، وبلادنا وخمة، أي من مرض لا يقدر أحد أن يدخل إليه، وأي من شم رائحته فيمرض فيموت، ونحن نحفظ كل من يأتي من بلاد المسلمين، فسيروا مطراناً يحفظهم.
قلت: وقد تقدم الجواب عن هذا الكتاب من كلام القاضي محيي الدين ابن عبد الظاهر في الكلام على الكتب الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى أهل الجانب الجنوبي من أهل الكفر، ولكن الكتاب المذكور يخالف ما تقدم هناك من ادعائه العظمة، وأنه لولا اضطراره إلى أخذ المطران من بطريرك الديار المصرية لكان يشمخ بنفسه عن المكاتبة، ولعل ذلك كان في الزمن المتقدم.
الضرب الثالث: الكتب الواردة عن ملوك الروم:
ورأس الكل صاحب القسطنطينية، وقد وقفت على كتاب ورد منه في السابع والعشرين من صفر سنة أربعة عشر وثمانمائة في درج ورق فرنجي في نحو عشرين وصلاً قطع النصف، والبياض في أعلاه وصل واحد، وفي أسفله وصلان، وله هامش عن يمينه وهامش عن يساره، كل منها تقدير إصبعين، ومقدار ما بين السطور متفاوت، فأعلاه بين كل سطرين أربعة أصابع مطبوقة، ثم بعد تقدير ثلث الكتاب بين كل سطرين ثلاثة أصابع، ثم بعد ذلك ين كل سطرين قدر إصبعين، ثم بعد ذلك بين كل سطرين قدر ثلاثة أصابع إلى آخر الكتاب، والقلم في غاية الدقة بقلم الرقاع الدقيق، وفي آخره ثلاثة أسطر وقطعة بالحمرة بقلم أجل من الأول قليلاً.
وهذه نسخة كتاب معربة بترجمة بطرك الملكانية بحضور سيف الدين سيف الترجمان، وهي: المعظم، الممجد، المبجل، الضابط، السلطان، الكبير، سلطان مصر ودمشق وحلب وغيرها، الملك الناصر فرج ابن السلطان الكبير المرحوم الظاهر برقوق المحبوب إلي العزيز أكثر من أولاد مملكتي.
يحيط علمه أنني ومملكتي طيبون بنعمة الله تعالى، وكذلك تكون إن شاء الله تعالى سلطنتك الممجدة طيبة في خير، وأن المحبة والمودة لم تزل بين والدك المرحوم وبين والدي إلى آخر وقتٍ، ونحن بحمد الله قد تزايدت محبتنا على ذلك وتكاثرت، وتتوكد أيضاً المحبة بيننا وبين سلطنتك المعظمة إلى الأبد، فإن ذلك واجب، وتتردد رسلكم بكتبكم إلينا، وكذلك رسلنا بكتبنا إلى ملككم، وكان قصدنا أن نجهز إليكم رسولاً لكن الفتن في بلادنا، وما بلغنا من سفر مولانا السلطان من تخت مملكته، ولم نعرف إلى أي مكانٍ توجه، أوجب تأخير ذلك، وأن حامل هذا الكتاب المتوجه به السلطان المعظم المسمى سورمش التاجر من اسطنبول هو من جهتنا، وله عادة بالتردد إلى مملكتكم المعظمة ونحن نعلم أن سلطنتك تحب الطيور الكواهي، فجهزنا لكم صحبة المذكور خمس كواهي وبازدار، ليكون نظركم الشريف عليهم، وكذلك على البطاركة والنصارى والكنائس على حكم معدلة السلطان ومحبته، والوصية بهم، ومعاونتهم ورعايتهم وإجراؤهم على جاري عوائدهم، من غير تشويش على ما ألفوه من إنصافكم أولاً وآخراً لأجل محبتكم لنا ومحبتنا، واستمرار العناية بهم، مع أن البطاركة عرفونا أن مولانا السلطان يبرز مرسومه بمراعاتهم، والإحسان إليهم، ولم يزالوا داعين له شاكرين من معدلته، ونضاعف شكرنا من إحسانكم على ذلك، وتكونوا إن شاء الله طيبين، والمحبة متزايدة في أيامكم وأيامنا، ومهما كان لمولانا السلطان بمملكتنا من أطواع فيرسم بها ونبادر بذلك.
والذي بآخره بالحمرة علامة الملك مضمونها مانويك المسيحي بنعمة الله، ضابط مملكة الروم البلالوغس.
الضرب الرابع: الكتب الواردة من جهة ملوك الفرنج بالأندلس والجهات الشمالية وما والى ذلك:
والعادة فيها أن تكتب باللسان الفرنجي، وعادة الكتب الواردة عنهم جملة أن تكتب في فرخة ورق فرنجي مربعة على نحو مقدار الفرخة البلدي أو دونها، بأسطر متقاربة، باللسان الفرنجي وقلمه، ثم يطوى طياً مسطحاً ويعنون في وسطه، ويطوى من جهتي الأول والآخر حتى يصير العنوان ظاهراً من الطي، ثم يخرز ويختم بسحاءة، ويختم عليه بطمغة في شمع أحمر على نحو ما تقدم في الكتب الواردة من ملوك الغرب، فإذا ورد على الأبواب السلطانية فك ختمه، وترجم بترجمة الترجمان بالأبواب السلطانية وكتب تعريبه في ورقة منفردة وألصقت به بعد كتابة الجواب من التعريب على ما تقدم ذكره في مقدمة الكتاب.
وهذه نسخة كتاب وارد من دوج البنادقة ميكائيل، على يد قاصده نقولا البندقي في السادس عشر صفر المبارك سنة أربع عشرة وثمانمائة، ترجمة شمس الدين سنقر، وسيف الدين سودون، التراجمة بالأبواب الشريفة، فيفرخة ورق فرنجي مربعة متقاربة السطور. وهو: السلطان المعظم، ملك الملوك فرج الله ناصر الملة الإسلامية، خلد الله سلطانه.
يقبل الأرض بين يديه نقولا دوج البنادقة، ويسأل الله أن يزيد عظمته، لأنه ناصر الحق ومؤيده، وموئل الممالك الإسلامية كلها، وينهي ما عنده من الشوق والمحبة لمولانا السلطان، وأنه لم يزل أكابر التجار والمحتشمين والمترددين من الفرنج إلى الممالك الإسلامية شاكرين من عدل مولانا السلطان وعلو مجده، وتزايد الدعاء ببقاء دولته، وقد رغب التجار بالترداد إلى مملكته الشريفة بواسطة ذلك، ولأجل الصلح المتصل الآن بيننا بالمحبة.
وأما غير ذلك، فإنه بلغنا ما اتفق في العام الماضي من حبس العنز في ثغر دمياط المحروس، وأن مولانا السلطان مسك قنصل البنادقة والمحتشمين من التجار بثغر الإسكندرية المحروس، وزنجرهم بالحديد، وأحضرهم إلى القاهرة، وحصلت لهم البهدلة بين جنوسهم والضرر والقهر الزائد، وكسر حرمتنا بين أهل طائفتنا، فإن الذي فعل مع المذكورين إنما فعل معنا، وتعجبنا من ذلك، لأن طائفتنا لم يكن لهم ذنب، وهذا مع كثرة عدل مولانا السلطان في مملكته، ومحبتنا له، ومناداتنا في جميع مملكتنا بكثرة عدله، وبمحبته لطائفتنا، وإقباله عليهم، وقولنا لجميع نوابنا: إنهم يكرمون من يجدونه من مملكة مولانا السلطان، ويراعونه ويحسنون إليه، والمسؤول من إحسانه الوصية بالقنصل والتجار وغيرهم من البنادقة، ومراعاتهم وإكرامهم والإقبال عليهم، والنظر في أمورهم إذا حصل ما تشبه هذا الأمر، ومنع من يشاكلهم لتحصل بذلك الطمأنينة للتجار، ويترددوا إلى مملكته. وهذه نسخة كتاب وارد من كبطان الماغوصة والمستشارين بها، في ثامن عشر صفر المبارك سنة أربع عشرة وثمانمائة، ترجمة شمس الدين سنقر وسيق الدين سودون الترجمانين بالأبواب الشريفة، وهو: الملك المعظم، ملك الملوك، صاحب مصر المحروسة، الملك الناصر، عظم الله شأنه.
يقبل الأرض بين أياديه الكبطان والمستشارون، وينهون أنهم آناء الليل داعون بطول بقائه، مجتهدون في استمرار الصلح والمودة التي لا يشوبها كدر بين القومون؟ وبين مولانا السلطان، وأن في هذا الوقت ثم حرأمية غراب يتحرمون بأطراف هذه البلاد، والمين الإسلامية، ونحن لم نزل نشحطهم بالمراكب والأغربة، ونمنعهم من ذلك جهدنا وقدرتنا، حتى إن أحداً صار لا يجسر على الدخول إلى مينا الماغوصة جملة كافية، مع أننا كنا خلصنا في المدة الماضية من الحرأمية المذكورين خمسة وعشرين نفراً من المسلمين، وأكرمناهم وأطلقنا سبيلهم وعزمنا أن نجهزهم إلى دمياط أو إلى ثغر الإسكندرية.
وأما غير ذلك، فقد بلغنا أن برطلما أوسق للمواقف الشريفة صأبوناً في مراكبه، وكان قصد أن يهرب بذلك، فللحال عمرنا مركباً كبيراً، وأخذنا برطلما المذكور بالمحاربة، وأحضرناه إلى الماغوصة، وعهدنا بطروق المركب إلى شخص يسمى أرمان سليوريون وهو رجل مشكور السيرة، وقلنا له أنه يتوجه إلى خازن الصأبون المذكور ويستشيره إن كان يوسق شيئاً من الأصناف لمولانا السلطان، ويجهزه إلى أي مكان اختاره ليسلمه ليد من تبرز له المراسيم الشريفة بتسليمه، فليفعل، وهذا القول كله يكون دليلاً عند مولانا السلطان على صدق الولاة والتمسك بالصلح، والمسؤول من الصدقات الشريفة الإقبال على التجار الجنوية الذين عند مملكته، وكف أسباب الضرر عنهم، وينشر معدلته عليهم، والله تعالى يديم بقاءه بمنه وكرمه.

.الفصل السادس من الباب الثاني في المقالة الرابعة في رسوم المكاتبات الإخوانيات:

وهي جمع إخوانية نسبة إلى الإخوان جمع أخ والمراد المكاتبات الدائرة بين الأصدقاء، وفيه طرفان:

.الطرف الأول في رسوم إخوانيات السلف من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين:

وهي في الغالب لا تخرج عن ضربين:
الضرب الأول: أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب عنه:
وكان رسمهم فيه أن تفتتح المكاتبة بلفظ من فلان إلى فلان، سلام عليك، إني أحمد الله الذي لا إله إلا هو فلما كانت خلافة الرشيد وأمر أن يزاد هنا في السلطانيات وأسأله أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله، كما تقدم في موضعه، جرى الكتاب في الإخوانيات على ذلك أيضاً، وكان الخطاب يجري بينهم في ذلك بأنا، وأنت، ولي، ولك، وعندي، وعندك، وما أشبه ذلك من ألفاظ الخطاب، وكانت خاتمه الكتب عندهم بالسلام.
الضرب الثاني أن تفتتح المكاتبة باسم المكتوب إليه تفخيماً لأمره وتعظيماً لشأنه:
وكان رسمهم في ذلك أن يفتتحوا المكاتبة بلفظ إلى فلان من فلان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وباقي الكتاب على ما تقدم في الضرب الأول في الخطاب والختام وغيرهما.

.الطرف الثاني في رسوم الإخوانيات المحدثة بعد السلف:

وفيه ثلاثة مقاصد:

.المقصد الأول في رسوم إخوانيات أهل المشرق:

وفيه أربعة مهايع:

.المهيع الأول في صدور الابتداءات، وهي على أساليب:

الأسلوب الأول: أن تفتتح المكاتبة بالدعاء:
وعليه اقتصر أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب وكان على رأس الثلثمائة في خلافة الراضي، وقد تقدم في الكلام على مقدمات المكاتبات نقلاً عن مواد البيان، أن الأدعية كانت في الزمن الأول تستعمل فيما يتعلق بأمر الدين، مثل قولك: أكرمه الله، وحفظه الله ووفقه، وحاطه، وما أشبه ذلك، فعدل عنها قصداً للإجلال والإعظام إلى الدعاء بإطالة البقاء، وإدامة العز، وإسباغ النعمة، ونحو ذلك مما يتنافس فيه أبناء الدنيا، جرياً على عادة الفرس. ثم رتبوا الدعاء على مراتب، فجعلوا أعلاها الدعاء بإطالة البقاء، ثم بإطالة العمر ثم بالمد، وكذلك سائر المكاتبات على ما تقدم بيانه هناك.
ثم هو على ستة أضراب:
الضرب الأول: المكاتبة من المرؤوس إلى الرئيس، وهو على صنفين:
الصنف الأول: المكاتبة إلى الأمراء. قد ذكر النحاس أنه يقال في افتتاح مكاتباتهم: أطال الله بقاء الأمير، فإذا أردت أجل ذلك كله، كتبت: أطال الله بقاء الأمير في أعز العز وأدوم الكرامة والسرور والغبطة، وأتم عليه نعمته في علو الدرجة، وشرف من الفضيلة، وتتابع من الفائدة، ووهب له السلامة والعافية في الدنيا والآخرة، وبلغ بالأمير أفضل ما تجري إليه همته، وتسمو إليه أمنيته، أو بلغ بالأمير أفضل شرف العاجل والآجل، وأجزل له ثواب الآخرة. ثم قال: ومن الدعاء له: أطال الله بقاء الأمير في عز قاهر، وكرامة دائمة، ونعمة سابغة، وزاد في إحسانه إليه، والفضيلة لديه، ولا أخلى مكانه منه.
قال: ومنه أطال الله بقاء الأمير، وأدام عزه وتأييده، وعلوه وتمكينه، وكبت عدوه.
ثم ذكر أدعية أخرى للأمراء عن الفضل بن سهل. منها أطال الله بقاء الأمير، ومكن له في البسطة وتزايد النعمة، وزاده من الكرامة والفضيلة، والمواهب الجليلة في أعز عز وأدوم سلامة، وأسبل عافية، ومنها: أطال الله بقاء الأمير، وأدام له الكرامة مرغوباً إليه، وزاد في إحسانه لديه، وأتم نعمته عليه، ووصل له خير العاجل بجزيل الآجل.
الصنف الثاني: المكاتبة إلى القضاة. وقد قال النحاس: أنه يدعى للقاضي بمثل ما يدعى به الأمير، غير أنه يجعل مكان الأمير القاضي، إلا أن الفضل بن سهل قال: يدعى لقاضي القضاة، أطال الله بقاء القاضي، وأدام عزه وكرامته، ونعمته وسلامته، وأحسن من كل جميل زيادته، وألبسه عفوه وعافيته، وإنه يدعى له أيضاً: أطال الله بقاء القاضي في عز وسعادة، وأدام كرامته، وأحسن زيادته، وأتم نعمته، عليه في أسبغ عافية، وأشمل سلامة. قال: وقال غير الفضل: إن الكفء يكاتب كفأه ومن كان خارجاً من نعمته: أدام الله بقاءك أيها القاضي.
الضرب الثاني: المكاتبة من الرئيس إلى المرؤوس، كالمكاتبة عن الوزير وقاضي القضاة وغيرهما، والخطاب في جميعها بالكاف.
قال النحاس: وهي على مراتب، أعلاها في حق المكتوب إليه أطال الله بقاءك وأدام عزك وأكرمك، وأتم نعمته عليك، وإحسانه إليك وعندك. ودونه: أطال الله بقاءك، وأعزك وأكرمك، وأتم نعمته عليك وعندك. ودونه: أدام الله عزك، وأطال بقاءك، وأدام كرامتك، وأتم نعمته عليك، وأدامها لك. ودونه: أعزك الله ومد في عمرك، وأتم نعمته عليك، وما بعده على توالي الدعاء الذي تقدم. ودونه: أكرمك الله وأبقاك وأتم نعمته عليك، وأدامها لك. ودونه: أن تسقط وأدامها لك. ودونه: أبقاك الله وحفظك وأتم نعمته عليك، وأدامها لك. ودونه: أن تسقط وأدامها لك. ودونه: حفظك الله وأبقاك، وأمتع بك. ودونه: عافانا الله وإياك من السوء.
قال في صناعة الكتاب: هذا إذا جرى الأمر على نسبته ولم تتغير الرسوم، وإلا فقد تعرض أن يكون في الدولة من هو متقدم على الوزير أو مساوى به فتتغير الكتابة، فقد كان عبد الله بن سليمان يعني وزير المعتضد يكاتب أبا الجيش يعني خمارويه بن أحمد بن طولون: أطال الله يا أخي بقاك إلى آخر الصدر، للمصاهرة التي كانت بين أبي الجيش وبين المعتضد ولأن المعتضد كناه. ثم قال: فإن كان الرئيس غير الوزير، فلربما زاد في مكاتبته زيادة لمن له محل، فيزيده ويكاتبه بزيادة التأييد ودوام العز. قال: ويدعى للفقهاء: أدام الله بقاءك في طاعته وسلامته وكفايته وأعلى جدك وصان قدرك، وكان لك ومعك حيث لا تكون لنفسك. أو أدام الله بقاءك في أسر عيش وأنعم بال، وخصك بالتوفيق لما يحب ويرضى، وحباك برشده، وقطع بينك وبين معاصيه، أو طال الله بقاءك بما أطال به بقاء المطيعين، وأعطاك من العطاء ما أعطى الصالحين. أو أكرمك الله بطاعته، وتولاك بحفظه، وأسعدك بعونه، وأيدك بنصره، وجمع لك خير الدنيا والآخرة برحمته، إنه سميع قريب، أو: تولاك من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وكان لك من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم. أو: أكرم الله عن النار وجهك، وزين بالتقوى تجملك. أو: أكرمك الله بكرامة تكون لك في الدنيا عزاً، وفي الآخرة من النار حرزاً.
الضرب الثالث: المكاتبة إلى النظراء والمخاطبة فيه بالكاف:
قال في الصناعة الكتاب وأعلى ما يكتب في ذلك يعني بالنسبة إلى المكتوب إليه يا سيدي أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك إلى آخر الصدر. ودونه: أطال الله يا سيدي بقاءك. ودونه يا سيدي وأخي أطال الله بقاءك. ودونه: أدام الله يا أخي بقاءك.
الضرب الرابع: المكاتبة الأبناء والخطاب فيه بالكاف:
قال في صناعة الكتاب يكتب الرجل إلى ابنه: بأبي أنت، أو: فداك أبوك. أو: مات قبلك. أو: أسأل الله عز وجل حفظك وحياطتك ورعايتك. أو: أرشدك الله أمرك. أو: أحسن البلاغ بك. أو: بلغ الله بك أفضل الأمل، وأتم السرور بك، وجعلك خلفاً صالحاً، وبقية زاكية.
الضرب الخامس: المكاتبة إلى الفتيان والخطاب فيه بالكاف:
قال النحاس: يدعى لهم: صرف الله السوء عنك، وعن حظي منك، أو: أطال الله بقاء النعمة عليك وعلي فيك، أو: جعلت أنا وطارفي وتالدي فداك. أو: ملاني الله إخاءك، وأدام الله بقاءك. أو: أستودع الله عز وجل ما وهب لي من خلتك، ومنحني من إخوتك، وأعزني به من مودتك. أو: حاط الله حظي منك، وأحسن المدافعة عنك. أو: ببقائك متعت، وفقدك منعت. أو: نفسي تفديك، والله يبقيك، ويقيني الأسواء فيك. أو: ملاني الله النعمة ببقائك، وهنأني ما منحني من إخائك. أو: أبقى الله النعمة لي ببقائها لك، وبلغتها بك. أو: وفر الله حظي منك، كما وفر من المكارم حظك. أو: ملاني الله ببقاك، كما منحني إخاك. أو: دافع الله لي وللمكارم عن حوبائك، وأمتعني ببقائك، وجمع أملي فيك بجمعه المكارم لك. أو: زادك الله من النعم حسب تزايد البر لإخوانك، وبلغ بك أملهم كما بلغ بهم آمالهم فيك.
الضرب السادس: المكاتبة إلى النساء:
قد ذكر النحاس أنهن يكاتبن على نظير ما تقدم من مكاتبة الرئيس والمرؤوس والنظير، غير انه قد وقع في الاصطلاح من بعضهم أنه لا يقال في مكاتبتهن: وكرامتك ولا أتم نعمته عليك، ولكن أتم نعمته لديك، ولا فضله عندك، ولا سعادتك، ولا فعلت ولا أن تفعلي، ولكن إن رأيت أن تمني بذلك مننت به، وما أشبه ذلك، وقد تقدم في الكلام على مقدمات المكاتبات بيان كراهتهن لذلك.
قلت: ثم راعى الكتاب في تعظيم المكتوب إليه أن عدلوا عن خطابه بالكاف عن نظير خطاب المواجهة إلى المعنى الغيبة، فقالوا: له، وإليه، وعنده، ونحو ذلك وخصوا الخطاب بالكاف بأدنى المراتب في حق المكتوب إليه. على أنه قد تقدم من كلام النحاس إنكار ذلك على من اعتمده محتجاً عليه بأنه أعظم من الله تعالى مع أنه يقال في الدعاء يا الله ونحو ذلك.
وقد ذكر ابن حاجب النعمان في كتابه ذخيرة الكتاب أدعية مرتبة على الغيبة، وقال: أعلاها أطال الله بقاءه وأدام تمكنه وارتقاءه، ورفعته وسناءه، وكبت عدوه. ودونه: أطال الله بقاه، وأدام تأييده، وعلاه وتمهيده، وكبت عداه. ودونه: أطال الله بقاه، وأدام تأييده وحرس حوباءه. ودونه: أطال الله بقاه، وأدام تأييده ونعماه. ودونه: أطال الله بقاه، وأدام نعماه. ودونه: أطال الله بقاه، وأدام عزه. ودونه: أطال الله بقاه، وأدام توفيقه وتسديده. ودونه: أطال الله بقاه، وأدام سداده وإرشاده. ودونه: أطال الله بقاه، وأدام حراسته. ودونه: أدام الله تأييده. ودونه وأدام الله توفيقه. ودونه: أدام الله عزه وسناءه. ودونه: أدام الله عزه. ودونه: أدام الله حراسه. ودونه: أدام الله كرامته. ودونه: أبقاه الله. ودونه: حفظه الله. ودونه أعزه الله. ودونه: سلمه الله. ودونه: رعاه الله. ودونه: عافاه الله. وعلى معنى الغيبة يقال في الدعاء: أطال الله بقاء الأمير، أو بقاء القاضي أو بقاء سيدي أو بقاء مولاي، وما أشبه ذلك من كل رتبة بحسبها.
واعلم أن الذاهبين من الكتاب إلى إجراء المخاطبة في المكاتبة على معنى الغيبة كما هو طريقة ابن حاجب النعمان وغيره، يعبرون عن المكتوب إليه بلقبه الخاص: كالوزير، والأمير، والحاجب، والقاضي، كسيدنا ومولانا على لفظ الإفراد كسيدي ومولاي، وينعتون المكتوب إليه بالجليل أو الحاجب الجليل، ويجعلون الإفراد دون ذلك في الرتبة فيقولون: سيدي أو مولاي الأمير الجليل، أو الحاجب الجليل، ونحو ذلك. ثم توسعوا في ذلك فجعلوا الدعاء متوسطاً كلام الصدر على القرب من الابتداء، مقدمين بعض كلام الصدر عليه، ومؤخرين بعضه عنه، مثل أن يقال في المكاتبة بشكر: إذا كان الشكر أطال الله بقاء سيدنا الأمير فلان ترجمان النية، ولسان الطوية، وشاهد الإخلاص، وعنوان الاختصاص، وسبباً إلى الزيادة، وطريقاً إلى السعادة وكانت معارفه قد أحاطت بمعادنه واستولت على محاسنه، فألسن آثارها من الصمت أفصح من لسانه، وبيانها مع الجحود أبلغ من بيانه، ونحو ذلك. ثم أحدثوا اصطلاحاً آخر أضافوه إلى الاصطلاح الأول، فقدموا على الدعاء لفظ كتابنا أو لفظ كتابي رتبة دون رتبة، مثل أن كتبوا: كتابنا أطال الله بقاء الأمير، ونحن على أفضل ما وعدنا الله من النظام الأمور وسدادها، واستقامتها بحضرتنا واطرادها، أو كتابي أطال الله بقاء مولاي الحاجب عن سلامة ينغصها فقدك، وينتقصها فراقك، وما يجري مجرى ذلك. وربما أبدلوا لفظ كتابنا أو كتابي بلفظ كتبت بصيغة الفعل، وربما ابتدءوا بلفظ أنا ونحوه، ثم خرج بهم الاختيار إلى المصطلحات اصطلحوا عليها مع بقاء بعض المصطلح القيم، فخاطبوا بالحضرة تارة وبالخدمة تارة، وبالمجلس أخرى، فكتبوا كتابي، أطال الله بقاء حضرة سيدنا الوزير، أو سيدنا الأمير، ونحو ذلك، أو أسعد الله الحضرة، أو أسعد الله الخدمة، أو ضاعف الله جلال الخدمة، أو أعز الله أنصار الخدمة، وربما كتبوا: صدرت هذه الخدمة إلى فلان. وقد يكتبون: صدرت هذه الجملة، إلى غير ذلك من تفنناتهم التي لا يسع استيعابها ولا يمكن اجتماع متفرقها.
قلت: وبالجملة فضبط صدور الإخوانيات وابتداءاتها على هذا المصطلح غير ممكن لاختلاف مذاهبهم في ذلك، والذي تحصل لي من كلام النحاس وابن حاجب النعمان، وترسل أبي إسحاق الصابي، والعلاء بن موصلايا، وأبي الفرج الببغاء، وغيرهم نمن الكتاب المجيدين أن الغالب في المكاتبات الدائرة بين الأعيان الدول على سبعة أساليب: الأسلوب الأول: أن تفتتح المكاتبة بالدعاء: كما كتب أبو إسحاق الصابي إلى صاحب إسماعيل بن عباد بالشكر والتشوق: أطال الله بقاء سيدنا الصاحب الجليل، في سلامة دنيا ودين، ونفاذ أمر وتمكين، وتمام عز وتأييد، وثبات وطأة وتمهيد، وعلو قدر وسلطان، وتعاظم خطر وشان، وتولاه في نفسه وأوليائه بأحسن ما عرف وألف، من نعم دارة الحلب متفرعة الشعب، محمية الجهات والجوانب، محجوبة عن النوائب والشوائب، وأراه في حساد فضائله، وكفار فواضله، وما عوده فيهم من شقاء جدودهم، وفلول حدودهم، وحلول النكال بهم، وإثبات العصمة منهم، وجعل حكمه قطباً لمدار الأفلاك، ونهجاً لمجاري الأقدار، فلا ينزل منها محبوب مطلوب إلا توجه إليه ونحاه، ولا محذور إلا أعرض عنه وتحاماه، ثم كان برؤوس معانديه حلوله، وبرقابهم إحاطته، وفوق ظهورهم محمله، وعلى صدورهم مجثمه، أمراً جزماً قضاه الله له وخصه به، وأعطيته الأيام عليه عهد أمانها، وأمرت له به عقد ضمانها، عاطفة عليه بطاعتها ومواتاتها، مغضية له عن نوائبها ونبواتها، وحقيق عليه جل اسمه أن يفعل ذلك به، ويسمع هذا الدعاء فيه، إذ كان مرفوعاً إليه في أوفر عباده فضلاً، وأغمرهم نيلاً، وأجزلهم أدباً، وأكثرهم حسباً، وأعملهم بطاعته، وأولاهم بإحسانه ومعونته.
كتبت هذا الكتاب أطال الله بقاء سيدنا الصاحب الجليل، ثم انخرط في سلك مقصده إلى آخره.
الأسلوب الثاني: أن يتوسط الدعاء صدر الكتاب بعد الابتداء بكلام مناسب الحال.
كما كتب أبو إسحاق الصابي أيضاً عن بعض الأمراء إلى أمير آخر، مبشراً بفتح:
ومن أعظم النعم أطال الله بقاء مولانا الأمير الجليل، خطراً وأحسنها أثراً، نعمة سكنت ثورة، وأطفأت فورة، وعادت على الناس بجميل الصنع، وجليل النفع، ونظام الأمور، وصلاح الجمهور، فتلك التي يجب أن يكون الشكر عليها مترادفاً، الاعتداد بها متضاعفاً، بحسب ما أزالت من المضرة، وجددت من المسرة، وأماطت من المحذور، ونشرت من المأمول. وحقيق على الناس أن يعرفوا حقها ويوفوها من حمد الله قسطها، ويتنجزوه وعده الحق أدائها، وإطالة الإمتاع بها، والحمد لله على أن جعلنا ممن يعرف ذلك ويهتدي إليه، ويعتقده وينطوي عليه، ويؤدي فرض الاجتهاد في الاستدامة والاستزادة منه، وأن خصنا من هذه النعم بذوات الفضل السابغ، والظل الماتع، الجامعة لكتب العدو ومساءته، وابتهاج الولي ومسرته، وهو المسؤول جل اسمه وعز ذكره، أن لا يسلبنا ما ألبسناه من سرابيلها، وأجرناه من فضل ذيولها، وعودناه من جلالة أقدارها، وتعاظم أخطارها، ولا يعدمنا معونة منه على بلوغ أقصى الوسع في الاعتداد بها، ومنتهى الطوق في البشر لها، بمنه وطوله، وقوته وحوله.
وقد عرف مولانا الأمير فلان ما كان من كذا وكذا، ثم أتى على ذكر الفتح إلى آخره.
الأسلوب الثالث: أن يفتتح الكتاب بلفظ كتابي كما كتب الصابي عن الوزير أبي عبد الله الحسن بن سعدان، إلى فخر الدولة بن بويه في بشارة الفتح: كتابي أطال الله بقاء مولانا الأمير الجليل فخر الدولة، ومولانا الملك السيد صمصام الدولة وشمس الملة، جار على أفضل حال، جمع الله بينهما في تمام عز ونصر، ونفاذ أمر ونهي، وعلو كلمة ورأي، وسبوغ موهبة ونعمة، وشكر الله يستزيد من فضله، ويستدر المادة من طوله، وأنا جار فيما أحمله من أعباء خدمتهما، وأتولاه من تعظم شؤونهما، على أجمل ما عود الله وزراء هذه المملكة المناصحين لها، وأوليائها المحامين عنها، من هداية إلى مراشد الأمور، وتوفيق لصواب التدبير، والحمد لله رب العالمين، وقد كان كذا وكذا.
الأسلوب الرابع: أن يفتتح الكتاب بلفظ كتبت كما كتب الصابي إلى صاحب الجيش في تعزية: كتبت أطال الله بقاء سيدنا صاحب الجيش والعين عبرى، والكبد حرى، والصبر مسلوب، والعزاء مغلوب والفجيعة في سيدي فلان نضر الله وجهه، وكرم منقلبه، التي هدت الجلد وفتت في العضد، وبسطت عذر الجزوع، وهجنت حلم الحليم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإلى أمره صائرون، وعند الله نحتسبه غصناً ذوى، وشهاباً خبا، وعلق مضنة علقت به أيدي النوائب، وتخيرته سهام المصائب، وقارنت بين قلوب الأباعد والأقارب، والخواص والعوام في التألم لفقده والاستيحاش لمصرعه، والكآبة لوقوع المحذور به، وعز علي ان يجري لساني بهذا القول، ويدي بهذا الخط، إلى آخر المكاتبة.
الأسلوب الخامس: أن يفتتح بالخطاب، كما كتب صاحب ديوان الإنشاء في زمن المسترشد عن نفسه، إلى شجاع الدولة وزير دمشق، بعد هلاك زنكي بن اقسنقر: أيها السيد الرئيس المحامي عن سربه، والذي قصر إلا في المعالي، رب ناء بجسمه وهو دان بقلبه، وغريب إذا نسبت وأمير على دمشق مطاع في صحبه، وله بالعراق إخوان من حزبه، إلى آخر المكاتبة.
الأسلوب السادس: أن تفتتح المكاتبة بفظ: أنا، كما كتب الصابي عن نفسه إلى الأثير أبي الحسن يهنئه بعيد: أنا، أطال الله بقاء سيدنا الأستاذ الأثير أحأول الخدمة له والقرابة منه منذ وصلت إلى العسكر المنصور، فيعترض دون ذلك عوارض يجري بها المقدور، إلى حين الموقف المسطور، وقد علم مني وشهر عني كذا وكذا، إلى آخر الكتاب.
الأسلوب الرابع: أن تفتتح المكاتبة بلفظ: صدرت، أو أصدرت، كما كتب صاحب ديوان الإنشاء في زمن المسترشد عن نفسه إلى أبي الفرج سعد بن محمد تشوقاً: صدرت هذه الجملة إلى فلان، ولواعج الأشواق، إليه متضاعفة مترادفة، واستمرار الصبر على البعد عنه قد رث قواه، ووهن عراه، وأوزعنا وجدناه إذ عنت ذكراه، وإن كان ذكره سمير الخاطر، وتجاه الناظر، والغريم الملازم، الذي يستحق غالبه اللبيب الحازم، إلى آخر الكتاب.